حينما سقط النظام الشيوعي الذي يتزعمه أنفر خوجة في ألبانيا عام 1990 أجمع الخبراء بأن زمن البلدان المغلقة ولى، وأن العالم وفقا لمقاربات بريجنسكي وجوزيف ناي حول مبدأ السيادة المنقوصة لا يمكن أن يشهد دولة مغلقة جديدة، وقد توالت الأحداث التي أكدت أن شعارات السيادة والاكتفاء الذاتي إنما هي إعادة استهلاك لشعارات إيديولوجية تخص الجماهير العريضة التي مازالت تؤمن وفق مقولة مالك بن نبي بالشيء الوحيد والرجل الوحيد، لأن أي دولة في العالم لا يمكن أن تعيش بمعزل عن انعكاسات ما يحدث وراء حدودها ولو عمدت لإغلاق حدودها التي تبقى اعتبارية.
ألبانيا اليوم أضحت نموذجا للانفتاح السياسي والاقتصادي وتندمج في المنظومة الأوروبية كما أرست قواعد سياسية تسمح للبرلمان المنتخب أن يختار الرئيس لعهدة قابلة للتجديد مرة واحدة لا غير، كما اندمجت دول أوروبا الشرقية في نفس المنظومة، حينما خرجت من منطق الحزب الواحد، بل أرست ضوابط تمنعها من الانتكاس إلى الوراء، كما حدث لنا بعد عهد التعددية الفعلية التي تحولت إلى تعددية شكلية.
والسؤال المطروح، هل يمكن أن يسود منطق الانغلاق، وهل يجدي أي تدبير في اتقاء أي بلد من تداعيات ما يحصل ما وراء البحار والمحيطات.. الجواب قطعا لا، فالجزائر مثلا الخاضعة قصرا لمنطق التقسيم الدولي للعمل، تصدر ثـرواتها الطاقوية لتجني منها مصادر تخضع لتقلبات سوق دولية لا تتحكم فيها الجزائر التي تمثل فيها 1 إلى 4 بالمائة بالنسبة للنفط والغاز على التوالي، فدرجة التأثير والتأثـر لا يمكن أن يوضع في ميزان واحد، إذ نحن مازلنا نأكل مما يزرع الآخرون ونحتمي بأسلحة الآخرين، فالأجدر أن نقيس وزننا بمكيال الواقع لا بخطابات توجه فحسب للاستهلاك المحلي لضمان الشرعية وكسب الود أو التخفيف من الضغط، فالواقع يقول إننا أبعد من أن نعتمد مقولة الكاتب والسياسي الياباني وحاكم طوكيو حاليا ''شينتاروا ايشيهارا'' حينما صرخ عاليا ''اليابان الذي يمكنه أن يقول لا'' كتحدي يعكس واقع القدرة اليابانية على التأثير، لأن هؤلاء طبقوا في الميدان نظرية التحدي والاستجابة لأرنولد توينبي لضمان مكان لهم ضمن الكبار، كما طبقها غيرهم في آسيا مثل الصين وكوريا وماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة، بل وفيتنام التي خرجت من حربين استعماريتين حديثا، فالعبرة ليست في الانطواء على الذات والانعزال عن الآخر والشعور بالاكتفاء، بقدر ما هو تشجيع للابتكار والتحرر من التبعية بواسطة بدائل عملية وفرض النفس، فحينما طبقت الدول الصاعدة في آسيا نظريات إحلال الواردات أو إحلال الصادرات، كانت مدركة تماما بقدراتها على توظيف مكامن القوة لديها، في حين أننا اكتفينا نحن بالشعور بالاكتفاء بمنطق توزيع الريع النفطي وإعادة رسكلة البترودولار، ظنا منا أن مصدر الثـروة والقوة يكمن في هذا الريع الذي لا ينضب، في نفس الوقت الذي عمدت بلدان كالإمارات العربية المتحدة وإيران إلى تقليص حصة المحروقات من تركيبة تجارتها الخارجية إلى 45 بالمائة، وهي نسبة لا يمكن أن تقارن مع 5,97 بالمائة التي تسجلها الجزائر مند أكثـر من عشرية دون تغيير، هذا إذا افترضنا أن نسبة 5,2 بالمائة صادرات فعلية خارج المحروقات.