ذهب الذين يعاش في أكنافهم ,,, وبقى الذين حياتهم لا تنفع.

تمتلئ حول أبصارنا الأجسام والأبدان، وتحفُنا الوجوه الباسمات الضاحكات.. العابسات الواجمات..

تُحيط بنا القلوب والعقول من كل الجهات.. تلفُنا الأنواع والأشكال من البشر المتعددات..

نُصبّح على من نرتاح ومن لا نرتاح.. ونُمضي الأوقات مع من سطرت لنا الأقدار لُقياهم مساءً وصباح..


نعيش الحياة اجتماعيين -كما خُلقنا-.. نعرف هذا وذاك.. نسلم على هذه وتلك.. نعيب هؤلاء.. نثني على آخرين..

قد تتسع دوائر معارفنا، وقد تتقلص.. قد يطول حبل لقاءاتنا، وقد يقصر.. قد يتمدد جسر قراباتنا وقد ينكسر دون سابق إنذار..


وتمضي الحياة وسطهم... إنـما !


أين نحن منهم؟ وأين الأنا من الهؤلاء؟ أين ارتياحنا وانسيابيتنا وسط تناقض المشاعر والأحاسيس والعقول والأفئدة والأفكار والاهتمامات؟

غُربة اضطرارية تلمنا ونحن معهم، لا يُذهبها لا بسماتنا ولا حتى قهقهاتنا المختلطة بأصواتهم.. لا يطفئ لهيبها تقربهم ولا ودهم ولا مجاملاتهم..

بُقعةٌ غامضة يمتد غورُها إلى أعمق مكان بأنفسنا، تـُنبـِؤنا كل مرة بذات السؤال: أين أنا وسط هؤلاء؟


تناقض صارخٌ بين أقوال اليوم وأفعال الغد.. اختلافٌ شاسعٌ بين تصرفات اليوم ومواقف الغد.. اختلافاتٌ.. تناقضاتٌ.. انعكاساتٌ تلفُّنا.. نفهمها، نفقهها، لنتعلم أن لا نذوب مع أحد، أن لا ننعجن مع أحد، أن لا نلتحم مع أحد..

فيكبر شعور الغربة فينا، وتستوي بخلدنا الجبال التي قد حلمنا يومًا أن تعتلي على رأسها قمةٌ شامخةٌ.. لتصبح أراضي مستوية كلها مثل بعض..



كل الصديقات تشبه بعض، كل الأقرباء يشبهون بعض، كل الزملاء يتنافسون في التشابه، حتى الغرباء.. ترتسم عليهم ملامح الشبه مع كل هؤلاء..


نورِّق صفحات الترقب لنستجمع صورة الإنسان.. لنجده قد تزعم حقبًا ماضيات كان فيها عطر الإنسانية يعبق الأنوف لتصل الأمخاخ، فكانت الروح تنتشي ويُطرب العقل وترقص الأوداج شموخًا بأمثال هؤلاء..




فأين هـُم هؤلاء، مِن أولئك الذين تمتلئ الأرض بهم اليوم؟

أم صدق الشاعر حين قال:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ,,, وبقى الذين حياتهم لا تنفع.