* د. ميسون الدخيل
الحبٌّ أن تفعل المستحيل من أجل سعادة من تحب، أن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه، أن تحب كل ما يحبه، وتكره كل ما يكرهه. الحبُّ أن تعبِّر بما تشعر به من مشاعر وأحاسيس تجاه من تحب بنظراتك وكلماتك وتصرفاتك وأفعالك. الحب احترام واهتمام ومعرفة متبادلة، الحب يحافظ على الكرامة ويخاطب المشاعر. الحب مسؤوليَّة يتحمل فيها كل طرف طباعا وآراء، وأحياناً مزاجات مختلفة، لما تعوَّد عليه من الطرف الآخر.
الحبُّ ليس مجرد كلمات نسمعها ونردّدها. الحبُّ علاقة بين طرفين وليس علاقة من طرف واحد. الحب عطاء متبادل، وهذه المشاركة هي التي تحافظ على الحبِّ وتقويه وتدعمه، فالحبُّ لا يعرف ابتزاز واستنزاف المشاعر؛ لذا يعتبر الحبُّ من طرف واحد عذاباً؛ لأنه حبٌّ بلا أمل، حبٌّ مستحيل يتعذب صاحبه في صمت؛ لأنه لا يستطيع البوح له، أو لأن الآخر لا يحسُّ ولا يشعر به، فيظل يرسل ويرسل ويعطي ويعطي من دون أن يجني أي اهتمام أو إحساس أو إشارة؛ ليطمئنه بأن صبره سيثمر، وقد ينشأ هذا النوع من الحبِّ المؤلم لرجل متزوج بامرأة تحبه وتقدره وتحترمه، بينما هو لا يبادلها هذه المشاعر؛ لأنه تزوَّجها بغير اقتناع، وبصرف النظر عن الأسباب التي دعته للزواج منها فما ذنبها؟ ولماذا تتحمل مسؤولية إقدامه على الزواج منها ومن يدفع الثمن؟، خاصة إذا كانت إنسانة تخاف الله فيه؟، وفي هذه القصة المؤلمة اعترف الزوج لزوجته بكل قسوة، وفي أول يوم تدخل فيه عش الزوجيَّة، بأنها فُرضت عليه، وبأنه لن يحبها يوماً؛ لأن قلبه معلق بأخرى، وبالتالي عاشت فترة زواجها لم يُسمعها كلمة حبٍّ؛ لأن قلبه مغلق، فكان يستقبل من دون إرسال، وطوال الوقت بعيد عنها يشغل نفسه بالعمل والأصدقاء، ولا يعود إلى المنزل إلا حينما يتأكد من أنها قد نامت، فقررت هي أن تتعامل معه بالحكمة والصبر وأن تحتويه بكل حنان وعقلانيَّة؛ حتى يتجاوز هذه المرحلة بسلام. بالتأكيد إن الحبَّ شعور طبيعي وتلقائي ولا يمكن أن يُفرض، فهو إحساس نابع من الأعماق، وعليها أن تكون قويَّة الإرادة، وتدرك واقعها بصورة منطقيَّة وتحكِّم عقلها بعد أن أصبحت تعيش معه قصة حبٍّ جميلة ورائعة، لكن في خيالها أنَّه شعور بالحبٍّ والألم في نفس الوقت، ورغم تأكدها بأن طريقها مسدود، إلا أنَّ الأمل ظل يراودها في أن يشعر بها، وكانت تُمَنِّي نفسها وتحلم وتأمل بأن حبَّها وعطاءها وتفانيها واهتمامها به سيغيره يوماً ما، لكن دائماً أحلامها تطير أدراج الرياح، فلم يحنّ ولم يتقبلها ولم يعاشرها ولم يطلقها ولم يراعِ مشاعرها ولم يقدر أحاسيسها، فتحولت مع مرور الوقت لجسد بلا روح، وزادت حالتها سوءاً عندما دخلت في طور العزلة والعصبيَّة والاكتئاب، وأصبحت تقضي يومها في النوم، وفي لحظات يقظتها تعيش متبلدة المشاعر، فلا تشعر بالحزن أو الفرح وكأنها كائن ميت وهي ما زالت على قيد الحياة.
- أنين الحياة:
إنَّ الحياة لا تجري كما نتوقع بحيث يتصرف الجميع على نفس نمط تفكيرنا، فربَّما من تضعه في أعلى قائمة اهتمامك تجد أنك في أسفل قائمته، ومن تعتبره المركز في دائرة حياتك تجد أنَّك خارج دائرته، ومن تراه ضوءاً يراك ظلاماً، ومن تحيا لأجله يحيا لأجل نفسه أو لأجل الجميع إلا أنت، ومن تظن أنك تعرفه يجهلك، وبذلك تكون قد سلَّمت سلطة التصرف بحياتك، ولو بطريقة غير مباشرة، لمن لا يهمه إن نجحت أو فشلت، إن فرحت أو تألمت.