تعلَّق قلبها بالكتاتيب منذ الصغر، وعشقت القرآن فحفظت نصفَه، ورغِبَت في أن تكون معلّمة قرآن رغم صِغر سنّها فكان لها ما أرادت، وأصبحت أوّل وأصغر معلّمة قرآن بالجلفة. وجدناها بمقر جمعية التواصل ببلدية الإدريسية في الطابق العلوي، في جناح خاص جمعت فيه قرابة 30 تلميذة من مختلف الأعمار، تكتب لهذه وتصحِّح للأخرى، وتحثّ بواسطة عصَا رقيقة الجميع على القراءة المسموعة على الطريقة القديمة، رغم صِغَر جسمها بقامة قصيرة ونحيفة، حتّى أنّ بعض تلميذاتها يتساوين معها في العمر أو يقتربن منها، لأنّها لم تسلخ السابعة عشرة من العمر، ولم تتجاوز بعد مرحلة التعليم المتوسط، إلاّ أنّنا وقفنا على براعة التّحكّم في سير تدريسها للجميع.
وفي جانب من الكتّاب، حدثـتنا ''رقية شاتي'' عن تجربتها المتميّزة في هذا المجال وفي هذا الشّهر الكريم، فقالت لنا بأنّها دخلت الكتاب وعمرها خمس سنوات عند معلّمها ''عرارم''، فحفِظَت عنده نصف القرآن، ثـمّ أتمّت حفظ النّصف الثـاني لوحدها بمساعدة جدّها وتشجيع والدها. وكانت فكرة تدريس القرآن تُسيطِر عليها، وتأخذ كلّ تفكيرها منذ صغرها. وحين صارَحَت والدها، وجدت لديه تشجيعاً. واحتارت في المكان وكيف تدخل هذا الميدان من باب التّطوع، لأنّها لا ترغَب في أجرة، فاتّصلت بجمعية ''التواصل'' لتحفيظ القرآن، المؤسّسة حديثـاً، فوفّرَت لها المكان وباشرت عملها. تستيقظ كلّ صباح في حدود الساعة الخامسة، تصلّي الفجر وتحفَظ جزءاً ممّا تبقى لها من الختمة الكاملة، ثـمّ تتوجّه إلى مقر عملها من السادسة إلى الثـامنة. وفي المساء، تبدأ من الخامسة حتّى السابعة. وقطعت ''رقية'' ـ في هذه الفترة ـ أشواطاً كبيرة مع تلميذاتها في تحفيظ أجزاء كبيرة، وهذا باعتراف الأولياء الّذين شهدوا لها بالإخلاص والطريقة المتميّزة والشّخصية القوية، وهي تفكّر في الانقطاع عن الدراسة في المتوسطة لتواصل العمل التطوعي الخيري في تحفيظ القرآن للفتيات، وتبتغي من وراءه الأجر والثـواب، لا أكثـر ولا أقل.