بلدية قطارة أقصى جنوب الجلفة
مؤهلات كبيرة ونقائص بالجملة
روبورتاج: نسيم براهيمي
تزخر بلدية قطارة بالجلفة بمؤهلات كبيرة في مجال السياحة الحموية وإنتاج التمر لكنها بالمقابل تعاني نقصا فادحا في الإمكانيات والاستثمار سواء العمومي أو الخاص وهو ما جعلها تعيش شبه عزلة بالرغم من كون كل الظروف متاحة لأن تصبح قطبا سياحيا وفلاحيا بامتياز. وقت الجزائر تنقّلت إلى قطارة لنقل واقع هذه البلدية ومطالب سكانها.
تقع بلدية قطارة أقصى جنوب ولاية الجلفة على بعد حوالي 240 كم عن مقر الولاية وهي تابعة إداريا لدائرة مسعد التي تبعد عنها 170 كم. بالمقابل تبعد بلدية قطارة 50 كم عن دائرة القرارة التابعة لولاية غرداية ومقر هذه الولاية بدوره يعتبر أقرب إلى قطارة من مسعد إذ لا تفصلها عنها سوى 140 كم.
مشكلة المير والتغيير سيكون من خلال الصندوق
شغلت بلدية قطارة مؤخرا الرأي العام بولاية الجلفة بسبب ثورة مجموعة من الشباب ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي عمّر على رأسها منذ سنة 1989، ثورة دامت لأكثر من عشرة أشهر وانتهت بعقد صلح بين الأطراف المتنازعة تحت إشراف والي الجلفة وأعيان الولاية. لكن شباب قطارة، الذي أكد أنه لن يطوي صفحة الخلاف مع المير إلا برحيله، حول تركيزه واهتمامه على عاملين رئيسيين هما العمل على النهوض ببلديتهم باستعمال القنوات الرسمية المتاحة وفرض التغيير بمنطق الصندوق خاصة ونحن على أبواب الانتخابات المحلية.
160 كم دون شبكة هاتف نقال ودون وقود
الرحلة إلى قطارة تبدأ من مخرج مسعد الجنوبي الشرقي حيث تفصل هذه الأخيرة مسافة 160 كم عن وجهتنا. 160 كم تنقطع فيها كل مظاهر الحياة بدءا بشبكة الهاتف النقال الذي تنعدم به الخدمة وذلك بالنسبة للمتعاملين الثلاثة وهو الأمر الذي غالبا ما يتسبب في كوارث كون كل من يعرج على طريق مسعد-قطارة يسلم نفسه إلى الله فلا مجال لتلقي الاتصالات أو تلقي النجدة في حالة الطوارئ، أعطابًا كانت أو حوادث. وقد لاحظنا أيضا خلال توجهنا إلى قطارة انعدام محطات توزيع الوقود ليس فقط في المسافة الرابطة بين البلدية ودارئتها بل حتى بين قطارة وتقرت بولاية ورقلة مما يعني أن لا وجود لأي محطة توزيع وقود أو محطة استراحة على مسافة تفوق 310 كم.
20 مليار لإزالة منعرجات الموت
يطرح سكان قطارة وكل من يستعمل الطريق الرابط بينها وبين مسعد مشكل حالات الطوارئ وطلب النجدة التي تكاد تكون مستحيلة على مسافة 170 كم بفعل انعدام شبكة الهاتف النقال ومحطات الخدمات وهو الأمر الذي يتعقد أكثر إذا علمنا أن بلدية قطارة تفتقد إلى وحدة للحماية المدنية وهو المطلب الذي أصبح يطرح بإلحاح من طرف سكان المنطقة. كما طرح أحد العارفين بالمنطقة بعض التناقضات التي تعرفها هذه الأخيرة كمثال المسافة المعبدة بين قرية البويقلة التابعة لقطارة وبلدية أم العظام والتي تفوق 170 كم في حين أن المسافة الحقيقة بين المنطقتين لا تفوق 30 كم. بالمقابل، لمحنا خلال توجهنا لقطارة أشغال تهيئة الطريق الرابط بينها وبين مسعد على مسافة 80 كم وهو المشروع الذي ينتظره مستعملي الطريق بفارغ الصبر. كما أوضح نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لقطارة لاحقا أن المنعرجات الواقعة عند مدخل المدينة بالقرب من واد عجيري والتي تسمى بمنعرجات الموت نظرا لخطورتها الشديدة وتسببها في العشرات من الحوادث المميتة ستكون محل إزالة وذلك بشق طريق جديد بمدخل المدينة تفاديا لحوادث المرور في إطار عملية رصد لها غلاف مالي يفوق 20 مليار سنتيم.
ثلاثة أساتذة فَقَطْ بالثانوية، طاولة لكل ثلاثة تلاميذ ويومان دراسة في الأسبوع!
شكل قطاع التربية حديث السكان الرئيسي كون التلاميذ يعانون من جملة من المشاكل أهمها رفض الأساتذة الالتحاق بمناصبهم بسبب بعد المسافة. وطرح بعض محدثينا من أصحاب الشهادات القاطنين بقطارة أسئلة عن المقاييس التي تعتمدها مديرية التربية لتعيين الأساتذة بقطارة رغم علمها بأن أغلبهم لن يلتحق بالبلدية. وذكر أحد حاملي الشهادات أن حجة القائمين على مسابقات التوظيف بقطاع التربية غالبا ما يتحججون بكون المترشحين من قطارة مسجلين بولاية غرداية وهو ما يسقط عنه صفة الأولوية وهذا الأمر راجع حسبه إلى كون جل سكان قطارة يفضلون التنقل إلى مستشفى دائرة القرارة التابعة لولاية غرداية كونها الأقرب بالنسبة للأمهات الحوامل وهو ما يفسر تسجيل معظمهم بهذه الولاية وهو الأمر الذي من المفروض أن تأخذه مديرية التربية بعين الاعتبار خلال دراسة ملفات التوظيف.
ويعطي محدثنا مثال ثانوية البلدية التي فتحت أبوابها سنة 2011 وهي تسير بثلاثة أساتذة فقط مكلفين بتأطير قرابة 80 تلميذ وافدين من قطارة و البويقلة وهم أساتذة مختصين في تدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية والفيزياء بحيث يكلف كل واحد منهم بتدريس ثلاثة مواد دفعة واحدة لسد العجز في حين رفضت ملفات ثلاثة حاملي شهادات من سكان قطارة في التخصصات الناقصة وهي الأدب العربي والاجتماعيات والفلسفة.
أما الإكمالية فهي ليست بأحسن حال وهي تعرف عجزا بثلاثة أساتذة في حين يطرح السكان مشكل إقامة نصف الداخلي التي لم تفتح أبوابها إلى يومنا هذا ومشكل نقل التلاميذ من وإلى إقامة نصف الداخلي. لكن المشكل الرئيسي يبقى حسب محدثينا في تغيب الأساتذة بكل الأطوار المستمر حيث يذكر هؤلاء أن تلاميذ قطارة يستفيدون في حقيقية الأمر من يومين دراسة في الأسبوع فقط كون الأساتذة يغادرون المدينة أيام الخميس والأربعاء ليعودوا أيام الأحد أو الاثنين. كما يضيف محدثنا أن كل المنشئات التربوية لقطارة لم تستفد من التجهيزات منذ سنوات والنتيجة هي غياب شبه كامل للسبورات والطاولات (ثلاثة تلاميذ لكل طاولة) والتجهيزات المخبرية.
مؤهلات سياحية لكن الاستثمار في خبر كان
تتميز منطقة قطارة بوفرة المياه المعدنية ذات الخصائص الطبية المعترف بها وهو ما يؤهلها لأن تكون قطبا سياحيا بامتياز. إلا أن هذه المنابع تبقى مستغلة إلى يومنا هذا بطريقة تقليدية في حين يتساءل سكان المنطقة عن سر غلق الحمام البلدي ومنحه سوى للشخصيات على حد تعبيرهم. من جهته، يوضح نائب رئيس البلدية، جعيدير محمد أن حمام قطارة استفاد من عملية إعادة تهيئة قصد بعث نشاطه وقد تنقلت إلى البلدية لجنة مختلطة قامت باختيار أرضية لاحتوائه لكن المشكل يبقى في عدم جدوى المناقصة التي تكفلت بها مديرية السياحة بالجلفة قصد اختيار مستثمر يتكفل بتسيير الحمام. ويعتقد سكان قطارة أن بعث نشاط الحمام سيعيد الحياة إلى التنمية المحلية باستقطاب السياح خاصة وأن خصائص المياه المعدنية تعتبر حسب التحاليل أحسن من عدة حمامات مشهورة على المستوى الوطني.
10.000 نخلة والماء منعدم
وتعتمد الحركة الاقتصادية بقطارة على نشاطين رئيسيين هما تربية الأغنام وإنتاج التمر وهي المنطقة الوحيدة بولاية الجلفة التي تختص في زراعة النخيل. ويوجد بقطارة 150 فلاح و43 مستثمر في إطار الامتياز الفلاحي كلهم متخصصون في إنتاج التمر الذي يتميز بجودة عالية حيث تحوي قطارة حوالي 10.000 نخلة منتجة وهو ما يؤهلها لأن تصبح قطب فلاحي منتج. لكن المشكل المطروح، تماما كما هو الحال بالنسبة لسكان المنطقة الذين يعانون من انقطاع الماء لمدة تصل إلى خمسة أيام، هو ندرة المياه الصالحة للشرب والموجهة للسقي حيث يوضح عضو المجلس الشعبي البلدي في هذا الصدد عن تخصيص مشروع خزان للمياه بسعة 3.500 م3 سيستلم قريبا وتسجيل مشروعين لآبار عميقة (1.300م) لكل من قطارة و البويقلة وهو ما يبقى غير كافي إذا أن المنطقة تحتاج لبئرين عميقين بقطارة وبئر عميق للبويقلة كون عدد سكان بلدية قطارة يناهز 14.000 نسمة.
سيارة إسعاف واحدة لـ14.000 نسمة
ويعيش القطاع الصحي بقطارة مشاكل الجملة أهمها نقص التأطير الطبي وشبه الطبي وهو ما جعل السكان يطالبون بتخصيص حصة في مسابقات مدرسة شبه الطبي لشباب قطارة لحل مشكل الممرضين والقابلات على الأقل. كما تعاني قطارة من انعدام أي صيدلية سواء بالقطاع الصحي أو تابعة للخواص وهو ما أثقل كاهل السكان والمرضى خاصة في حين لا يتوفر القطاع الصحي بقطارة كبلدية سوى على سيارة إسعاف واحدة مجندة بحوالي 14.000 ساكن وهي في حالة متدهورة. وطالب السكان من الوالي التدخل لمنح بلدية قطارة سيارة إسعاف جديدة وبرمجة مشروع مصلحة حفظ الجثث المنعدمة بالمنطقة وتطبيق نظام الدوامين بالقطاع الصحي حتى يتسنى له التكفل بالحالات المستعجلة ليلا. كما طالب السكان ببرمجة وحدة للحماية المدنية وهو المطلب الذي أضحى رئيسيا خاصة مع كثرة حوادث المرور بالمنطقة وتضاعف عدد الضحايا الذي غالبا ما لا يجدون من يسعفهم أو ينقلهم نحو المصالح الصحية في ظل غياب شبكات الهاتف النقال.
غاز إسبانيا يمر من هنا ولا نستفيد منه
أما فيما يخص المنشئات العمومية، فيعاني شباب قطارة من نقص وسائل الترفيه حيث لا تزال المكتبة البلدية ونادي الشباب مغلقة في حين يوجد الملعب البلدي في حالة مزرية للغاية. ويوضح نائب المير أن بلدية قطارة استفادت قبل سنوات من مشروع مركب رياضي سرعان ما تبخر لأسباب مجهولة في حين، يضيف محدثنا أن عدد طلبات السكن الريفي بالبلدية يفوق 2.500 طلب تقابله حصة ضئيلة لسنة 2012 بحوالي 300 سكن ريفي. من جهة أخرى، لا يزال سكان قطارة إلى يومنا هذا يعانون من انعدام شبكة توزيع الغاز الطبيعي رغم أن مشروع نقل الغاز من الجزائر إلى اسبانيا ميدغاز يمر بتراب البلدية إذ يقول محدثنا في هذا الصدد أن مديرية الطاقة والمناجم وعدتهم بمشروع خزانات الغاز التي يبقى السكان في انتظارها يعيشون المعاناة بجلبهم الغاز والخبز والبنزين من ولاية غرداية ومن دائرة القرارة.