تشهد الجزائر تنوعا كثيرا للموروثات الحضارية والتقليدية والقيم الثقافية التي مازالت مكتسبة ومخزنة وراسخة إلى يومنا هذا، ومن بين هذه الموروثات التقليدية ''القشابية '' حيث تعد أحد أهم رموز الشهامة والفخر والرجولة عند أهل سكان قصر البخاري بولاية المدية والعديد من الولايات الأخرى.
القشابية المصنوعة من وبر الجمال هي ذلك المنتوج التقليدي الذي يمر بالعديد من المراحل إلى أن يصبح جاهزا، حيث يبدأ في مرحلته الأولى بعمليات مختلفة متتابعة كما هي الحال أيضا بالنسبة للبرنوس الوبري، حيث توكل مهمة إعداد الوبر إلى المرأة أحيانا، أو الرجل بصفته المسؤول الأول عن اختيار المادة الأولية للقشابية والتي تكون من الوبر الخالص والجيد وغالبا ما يُشترى من ولايات عديدة تشتهر به كا مسعد وبوسعادة، ويكون من وبر "العقيقة " - وبر المَخْلُولْ- وهو صغير الإبل في أول زَجَّة له بعد ميلاده الأول، ويعتبر وبر المخلول من أجود الأنواع وأفضلها على الإطلاق، ومن ثمة تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة النسج والحياكة وهذا المنتوج يتباهى به الكثيرون ممن يعتبرونه رمزا للرجولة والشهامة وعلو الهمة بالإضافة إلى كونه أحد أفضل الألبسة التقليدية بالمنطقة.
أما فيما يخص الوبر فبحسب المختصين والعارفين به فإنه يؤخذ من أماكن معينة من أجسام الإبل، حيث يوجد بكثافة في جهة الرأس والرقبة والأكتاف في الإبل ذات السنام الواحد وتزداد كثافته في الإبل ذات السنامين نظرا لبرودة المناطق التي تعيش فيها. ويمتاز الوبر بقلة نقله للحرارة ويختلف بدوره عن الصوف والشعر بعدة مميزات أهمها: المتانة والخفة والفعالية في الحفاظ على الحرارة كما يتميز بنعومة الملمس ولونه البني المتعدد الدرجات نحو الإصفرار بحسب نوع وسن الإبل، كما أن هناك اختلافا كبيرا في إنتاج الإبل للوبر وذلك بحسب عروق وسلالات الإبل .
وتقتنى القشابية "الحرة " كما يسميها سكان مدينة قصر البخاري في المناسبات والأعياد والأفراح، وغالبا ما تُقدم كهدية إلى شخصيات سامية ورفيعة كشهادة تقدير وعرفان، وهي اللباس المفضل الذي يتكيف ويتناسب أكثر مع مقاومة البرد القارس الذي يسود المنطقة. فقد صمد هذا اللباس التقليدي كثيرا أمام تغير العادات والألبسة العصرية بمجتمعنا.
وسعر "القشابية الحرة " قد يصل إلى أكثر من 10 ملايين سنتيم وهو أغلى سعر بالنسبة للقشابية ذات الجودة العالية بينما ينزل أقل من ذلك أحيانا ليصل إلى عشرة آلاف دينار أو أقل من ذلك وهذا بحسب جودة المادة المصنوع بها والتزيينات المختلفة الموجودة والممارسة عليها، بالإضافة إلى ما يعرف بـ "الصَّدرة" وهي الجهة الأمامية للقشابية وبحياكة يدوية وذلك باستعمال المشدول "البشمار" والفتلة وتزيينات أخرى كالنواشة والوردة والقمر والذي يأتي في مؤخرة غطاء الرأس (القلمونة).
وغالبا ما تأتي التزيينات على القشابية برسم يدوي عادي دون الإكثار من الزينة حتى لا يُفقد ذوقها بحسب عشاقها، وتدوم مدة نسج القشابية قرابة الأسبوعين وما بين السبعة إلى تسعة أيام فيما يتعلق بالبرنوس، وسعر حياكته أقل تكلفة من القشابية. من جهة ثانية تتراوح أسعار البرنوس الوبري بين 10 ملايين و15 مليون سنتيم، رغم أن سعرهما الحقيقي لا يمكن تحديده بالضبط فكل خياط مختص إلا وله سعره وطريقته الخاصة في التعامل مع هذه الأنواع من الألبسة، وفي بعض الأحيان ترتفع الأسعار بحسب جودتها وكثرة الطلب عليها.
ورغم أن "القشابية " كانت الزي المفضل للمجاهدين والثوار أثناء ثورة التحرير الخالدة، إلا أن أبرز الشخصيات ورجال الأعمال والأعيان وكبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يرتدونها في عدة مناسبات دينية كانت أو وطنية ولا يجدون أي حرج في ذلك، بل يعتبرونها العلامة المُمَيّزة التي ترمز إلى أصالتهم وانتمائهم العريق.
الإرث التقليدي مهدد بالزوال
إن إنجاز القشابية يُعد من الحرف التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، ومع مرور الوقت يزداد الخوف يوما بعد يوم من زوال واندثار وضياع ما خلفته ثقافتنا وتقاليدنا العريقة، وذلك بسبب التنافس الكبير من طرف الألبسة الصوفية الأخرى المتواجدة بالأسواق، والقشابية كانت في وقت ليس ببعيد موردا اقتصاديا هاما ومصدر رزق للعديد من العائلات التي توارثت حرفتها عن أجدادها وسمحت بالحفاظ على موروث من التراث القديم.
كما أن غياب الدعم والتشجيع اللازم أثر بشكل ملحوظ على بقاء هذه الحرفة في زمن يكثر فيه الاعتماد على الأشياء والألبسة العصرية الدخيلة.