تعد مدينة مسعد الواقعة على بعد حوالي 70 كم جنوب مقر الولاية أهم مركز لصناعة القشابية والبرنوس حيث تحوي قرابة 80 بيت، أي عائلة، متخصصة في هذه الصناعة التقليدية، بينما يؤكد أصحاب المهنة أن عدد العائلات العاملة في هذا الميدان كان يفوق 400 في سبعينيات القرن الماضي.
"صوت الجلفة" زارت أحد حرفي الجلفة المتخصص في صناعة البرنوس والقشابية وهو "الخيري" الذي استقبلنا في ورشته المتواضعة وشرح لنا مراحل صنع البرنوس والقشابية.
صبر وحب وإتقان في البداية، شرح لنا "الخيري" سبل اقتناء المادة الأولية ألا وهي الوبر. ويقول محدثنا: "الوبر أنواع وهي مفصلة حسب الألوان فمنها الأسود والأشهب والأحمر والأصفر. نقتني الوبر أساسا من 3 أسواق وهي سوق واد سوف وسوق الجامعة بتقرت وعين الصفراء. سعر الكيلوغرام من الوبر يتراوح من 4.000 إلى 7.500 دينار حسب النوعية مع العلم أن القشابية الواحدة تتطلب 3 كغ من الوبر في حين يتطلب البرنوس من 4 إلى 5 كغ".
وتبدأ عملية صناعة البرنوس بما يسمى مرحلة "التنقية"، حسب محدثنا: "عملية التنقية هي أولى المراحل وتدوم أحيانا إلى غاية 3 أشهر يقوم فيها الحرفيين، وهم نساء غالبا، بنزع الشعرة السوداء والحمراء الغليظة. وتستمر هذه العملية إلى غاية الحصول على 1.5 كغ من الوبر من أصل 4 كغ بالنسبة للبرنوس و1.2 كغ من أصل 3 بالنسبة للقشابية".
ثم تأتي المرحلة الثانية وهي المسماة "بالطرق" بمعنى الضرب بالعصا. ويقول "الخيري" في هذا الشأن: "الطرق هو تجميع الوبر المتحصل عليه من التنقية وضربه لمدة ساعة بعصا خاصة تسمى بعصا الدفلة" نقوم بعده بالانتقال لمرحلة "السلسال" وهي آلة تقليدية تسمح لنا بدمج ألوان الوبر بصفة منسجمة للحصول على لون واحد و تدوم هذه العملية من أربع إلى خمسة أيام". أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة "القرداش" وهي آلة تقليدية خاصة بمنطقة القبائل تسمح بتكوين كتلة من الوبر متماسكة مسماة "بالريطة" في مدة 20 يوم.
هذه الأخيرة تمر عبر المغزل ويستخرج منها "خيط الغزيل" الذي تجمع منه كبة الوبر. أما المرحلة السادسة فهي عملية "السدوة" التي تستدعي خلالها الحرفية نساء أخريات بما يسمى "التويزة" التي تدوم يوما كاملا يتم فيها استعمال كبات الوبر المسماة "بالقيام" للحصول في نهاية المطاف على قطعة الوبر المتماسكة والمتكاملة التي تمثل القطعة الخام للبرنوس أو القشابية مع اختلاف في الحجم و مدة التصنيع.
أما المرحلة الأخيرة فتخص تزيين القطعة الأولية بالمجبود أو المجدول. كل هذه المراحل تستغرق ما بين 4 و 6 أشهر تتدخل فيها ما لا يقل عن 6 حرفيات في عمل شاق يتطلب قدرا كبيرا من الصبر والحب والتفاني في الأداء.
المهنة بحاجة لدعم الدولةويقول الخيري أن سعر البرنوس التقليدي يتراوح ما بين 7 و15 مليون سنتيم فيما يتراوح سعر القشابية من 2 إلى 7 ملايين سنتيم. "لكن، من يلم بمراحل الصناعة والعناء التي تتطلبه يدرك أن حتى 100 مليون سنتيم لا تفي بالغرض. فالبرنوس هو خاصية جزائرية محضة وصناعته جزء لا يتجزأ من تراثنا الأصيل"، يقول "الخيري".
هذا الأخير يضيف أن هذه الحرفة ابتلعها الزمن لأسباب كثيرة. فحسب محدثنا، تعاني هذه الصناعة من عدة مشاكل كعدم الاهتمام الرسمي بها وعدم تعليمها في مراكز التكوين وعزوف الشباب عنها لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى.
"تصوروا أن بعض الحرفيين امضوا 4 سنوات كاملة لجمع الوبر. إنها حرفة متطلبة تستدعي الصبر والإتقان. لكن شباب اليوم يبحثون عن الربح السريع والدولة لا تدعم بما يكفي هذه الحرفة. وإن استمرت الأمور على هذا المنوال، فلن يصنع برنوس تقليدي بالجزائر بعد سنوات" يحذر الخيري.
صوت الجلفة/نسيم براهيمي