لم يحقق فلاحو منطقة مسعد، بولاية الجلفة، ما كانوا ينتظرونه، عندما
نثروا إنتاجهم من المشمش في الطريق، للاحتجاج على سياسة الوزير، الذي قال
للصحفيين إنهم ينهضون بعد أن يكون الفلاحون أنهوا عملهم، وزميله الذي يتردد
بين ''نداء الواجب الوطني'' بالبقاء في الحكومة والالتزام بموقف حزبه
المقاطع لها.
ولم تتنقل فرق مكافحة الشغب للشرطة والدرك إلى مسعد، وبالتالي لم يتم
إلقاء القبض على أي فلاح ولم يتنفس سكان هذه المدينة إلا روائح المشمش لمدة
يومين متتاليين، والتي عوضت روائح الغازات المسيلة للدموع التي تنتشر في
المدن في مثل هذه الأحداث. ولم تتناقل القنوات الفضائية الأجنبية ''انتفاضة
المشمش'' لأنه لم يسقط فيها ضحايا ولا جرحى والحمد لله.
هذه الانتفاضة ليست الأولى من نوعها في الجزائر، والتي أراد فيها
الفلاحون أن يعبّروا بطريقة ''حضارية'' مثلما فعل منتجو الطماطم في إسبانيا
ومنتجو الحليب في فرنسا وغيرهم من الفلاحين الغاضبين على سياسات وزرائهم
الذين ينهضون باكرا. ولقد حققت انتفاضات فلاحي أوروبا نتائج، وكان من نتائج
''انتفاضة الطماطم'' في إسبانيا أن أفلس فلاحو البلد الجار الذين تحولوا
لسنوات إلى أكبر منتجي الطماطم في العالم.
وقد جرب فلاحو عين تموشنت، في السنوات الماضية، انتفاضة مشابهة لانتفاضة
المشمش في مسعد، وحملوا منتوجهم من عنب التحويل إلى المعاصر ونثروه على
الأرض. لكن الوزارة التي ينهض مسؤولها باكرا لم تحرك ساكنا، وتركت
المنتفضين يلجأون إلى حل راديكالي، وقاموا باقتلاع آلاف أشجار الكروم التي
أنفق عليها مئات الملايير لزراعتها ورعايتها. وعندما بدأت تعطي الثمار، آل
مصيرها إلى ما آل إليه مشمش مسعد. واهتدى الفلاحون الذين نثروه في الطريق،
إلى نفس ما فعله قبلهم فلاحو عين تموشنت، وهددوا باقتلاع أشجار المشمش.
في الجزائر، ينهض الفلاحون باكرا، ويخرجون من الأرض العجب، وصار
''الدلاع'' متوفرا في الأسواق في نهاية فصل الشتاء، في الوقت الذي اشتاق
فيه المستهلكون ''البطاطا''. ووعد الوزير بأن يكشف المتسببين في تلك الأزمة
ويحاسبهم. ولم تنته أزمة البطاطا حتى لحقت بها أزمة المشمش، الذي ربما لم
ينتبه الوزير إلى أن الأسواق لا تستطيع بيع أكثر من 5 ملايين قنطار من
المشمش الذي ينتجه الفلاحون في المسيلة، الجلفة، باتنة وغيرها من الولايات،
وأنه كان من المفروض مرافقة ذلك بإقامة وحدات لتحويله إلى عصير أو مصبرات،
لكي لا يضطر الفلاحون لاستعماله لقطع الطريق وتهديد الأمن العام، ثم
يقطعون الأشجار، وهو من المفروض سلوك إجرامي يعاقب عليه القانون.
ولو سئل وزير الفلاحة عن ''ثورة المشمش''، لا شك أنه سيجيب مثلما أجاب
الأمين العام للحزب الذي ينتمي إليه، أن الرئيس على علم بما يحدث في مسعد،
ويضيف أن البلاد بخير وكل شيء متوفر فيها وبأسعار في متناول الجميع، وكل ما
سواه تضخيم صحفي.